Image Not Found

التحديات التي تواجه عمان: حلول عملية بناء وظائف متنامية “٨”

مرتضى بن حسن بن علي – الشبيبة

مشكلة الباحثين عن عمل هي من المشاكل الخطرة التي تواجه الاقتصاد العُماني، وتهدد الإستقرار الاجتماعي والأمني، وهي تتعقد اكثر فاكثر سنة بعد اخرى مع تخرج الآلاف من الخريجين من التعليم العالي، ولا تقتصر المشكلة على فئة دون اخرى، ومع ذلك فإنها تصيب فئة الشباب الخريجين بشكل كبير، علاج مشكلة الباحثين عن عمل هو جوهر قضية التنمية المستدامة، وليس هناك علاج فعّال لها بعيدا عن المعالجة الجذرية لقضية التنمية برمتها، ويذهب الاقتصاديون إلى ان العلاج الحاسم للمشكلة وتوليد الوظائف، هو في زيادة نمو معدل الاقتصاد القومي ، وزيادة إنتاجيته، وزيادة معدل الاستثمار لتنويع مصادر الدخل، وتحسين نظامي التعليم والتدريب بصورة مستمرة، وليس عن طريق خلق وظائف حكومية غير منتجة ومكلفة.

في ظني فإن إيجاد الحلول للمشكلة يتطلب السير في الاتجاهات التالية بشكل متزامن:

١-تنويع مصادر الدخل وعدم الاعتماد على مصدر واحد “النفط” لاسباب عديدة، تم شرحها في مقال اخر.

٢-إيجاد قطاع خاص منتج ومتنامي ومبتكر، بدلا من القطاع الخاص بشكله الحالي الذي هو في معظمه ينتج الخدمات غير القادرة على التصدير، وليس قادرا على توليد فرص عمل مجزية.

٣- ضرورة رفع وتيرة النمو الإقتصادي، ورفع مستوى الدخل القومي من دون الاعتماد على النفط.

٤- إيجاد إصلاح كامل وشامل في جميع أنظمة التعليم والتدريب بحيث تكون قادرة على تزويد الطلبة بالمعارف والمهارات المطلوبة وأخلاقيات العمل.

٥- إعادة إنتاج الاقتصاد على أسس معرفية واضحة، والاعتماد على قوة عمل عالية المهارة بدلا من الاعتماد على اعداد هائلة من قوة عمل وافدة ذات مهارات متدنية.

٦- إعادة هيكلة الاقتصاد على قاعدة “إقتصاد السوق” وإيجاد تغييرات شاملة في قوانين العمل.

عمان تتمتع بمجموعة من المزايا النسبية متمثلة في توفر عدد من الخامات والثروات المعدنية، والتي لم يتم إستثمارها بشكل كامل، مع إحتمالات جيدة بتوفر معادن اخرى لم يتم التنقيب عنها لحد الان، والتي قد تجعل الاستثمار في عمان اكثر جاذبية من بعض البلدان التي تمكنت من جذب استثمارات متعددة، إضافة لذلك فان عمان تتمتع بعدد اخر من المميزات النسبية مثل:

أ- توفر الاراضي المطلوبة للمشروعات الصناعية والخدمية المختلفة، بتكاليف يمكن ان تكون معقولة نسبيا.

ب- قربها من الدول التي تمتلك فوائض من القوى العاملة ذات مستويات تعليمية ومهارية مختلفة، وتقل تكلفتها مقارنة مع تكلفة اليد العاملة في عدد من الدول الاخرى.

ج- موقع عمان الجغرافي المطل على ثلاث مسطحات مائية، وهي بحر عمان وبحر العرب ومضيق هرمز الاستراتيجي، كما هي قريبة من دول ذات كثافة سكانية مثل الهند وباكستان واليمن والمملكة العربية السعودية وايران وشرق افريقيا.

د- وجود قطاعات التي لم يتم إستثمارها بطريقة فعّالة مثل السياحة القادرة على خلق عشرات الالوف من الوظائف، اذا ما تم رفع العوائق العديدة أمامها إضافة الى إيرادات ضخمة وبالعملة الأجنبية،كما تتولد منها مشاريع سياحية متعددة وفي جميع أنحاء عمان مثل الفنادق والمنتجعات والمطاعم الفخمة وأماكن الترفيه المختلفة والتي بدورها سوف تخلق فرص عمل كبيرة.

هناك صناعات عديدة ايضا يمكن ان يوفرها النفط ومشتقاته، إضافة الى القطاعين السمكي والزراعي،وهما قطاعان عانا كثيرا من اوجه الإهمال لفترة طويلة، فالثروة السمكية ليست فقط عبارة عن الصيد التقليدي، وانما تمتلك القدرة على توليد صناعات عديدة مثل الصيد الاحترافي وتجميد وتقطيع وتعليب الاسماك وإستخراج الزيوت والسماد، هذه الصناعات بحد ذاتها قادرة على توليد فرص عمل كبيرة، وتجلب لنا الايرادات من العملة الأجنبية، وينطبق نفس الشيء على إستعمال التكنولوجيا الحيوية في الزراعة. هناك ايضا عدد كبير من الصناعات التي قد تحل محل الواردات وتجلب الايرادات والعملة الصعبة عن طريق تصديرها وتوفر ألاف فرص عمل.

المشاريع الصغيرة والمتوسطة تستوعب نحو ٨٠٪؜ من مجموع العمالة الكلية في بلدان عديدة، بينما في عمان فانها بالكاد توفر اية فرص عمل للمواطنين،والاهتمام بها بطريقة صحيحة مثلما إهتمت بها دول عديدة، وستساهم بتوفير فرص العمل للآلاف من المواطنين، وتشجيع الشباب على المشاريع الصغيرة ولا سيما الانتاجية منها، فهو او هي لا يحتاجان الى التمويل فقط، وانما بحاجة إلى تزويدهم بالثقافة المالية، وتعليم المبادئ الاساسية لعالم المال، وأهم مصطلحاته كالأصول والخصوم والبيانات المالية وميزانية الربح والخسارة إضافة الى أساسيات مبادئ علمي المحاسبة والاقتصاد، بهذه الطريقة سوف نخلق مزيدا من رواد الاعمال الناجحين يقومون بدورهم بخلق فرص للتوظيف.

هناك ايضا العدد الكبير من الوظائف التي يشغلها الوافدون ويبتعد عنها المواطنون، بسبب النظرة الدونية لتلك الوظائف، رغم انها وظائف مجزية، ومن المهم جدا التغلب على ثقافة النظرة الدونية، وتأهيل الباحثين عن العمل في مهن مثل النجارة والحدادة والسباكة، وفنيي تصليح السيارات والتكييف والادوات الكهربائية وغيرها، كما من المهم ايضا القيام بتحديد كافة المهن المطلوبة والقيام بإختيار الشباب المطلوب تدريبهم بصورة مكثفة بعد إجراء مقابلات من أهل الاختصاص، لقياس ميولهم وتخصيص مدة زمنية معقولة للتدريب حسب قدرات المطلوب تدريبهم، ومن ضمنهم خريجي التعليم العالي، بعد الاخذ بنظر الاعتبار المشاريع الاقتصادية المطلوب تشجيعها، وإحتياجات الشركات الأجنبية العاملة في البلد، او تلك التي يتم التخطيط للمجيء بها للاستثمار في عمان، فأتقان المهارات المطلوبة مهم جدا.

هناك ايضا نحو ٨٠٠ الف وظيفة يشغلها الوافدون، والعديد منها وظائف فنية مختلفة، يمكننا أن نختار عدد ونوعية المهارات المطلوبة لتدريب الشباب العماني للإحلال التدريجي بدل الوافدين.

ينبغي التفكير أيضا في وظائف المستقبل القريب، ونعيد إعادة تدريب جميع العاملين فعلا، قبل ان تقوم تلك الوظائف بتهديد وظائف العاملين فعلا، ومن أجل توفير تلك الوظائف ومن ضمنها وظائف المستقبل على المسؤولين إيجاد اجوبة للاسئلة التالية:

كيف يستطيع آي مجتمع أن يعد نفسه خير إعداد لدخول العقد الثالث من القرن الحادي والعشرين؟ واية مزايا وما نوع القوى التي من المفروض أن يمتلكها اي شعب في مثل هذه الظروف سريعة التغير والتي يصعب التكهن بها؟ كيف يمكن إكتساب النقاط تلك؟ كيف نقدر ان نبني إقتصادا حقيقيا متعدد المصادر ونوفر فرص العمل المجزية للجميع؟

إن عملية تنشيط وتنويع الاقتصاد وتوفير فرص العمل تتطلب الاهتمام بالقوى البشرية، وحين تنمو المهارات وينمو الاقتصاد المعرفي بمعدلات عالية ويزداد الطلب على الوظائف، فيزداد الطلب على المحامين، ومهندسي التكنولوجيا الحيوية، والمحررين الاقتصاديين، ومصممي برامج الكمبيوتر، والمخططين الاستراتيجيين، كلهم يساهمون في توفير قيمة مضافة عالية في كل المجالات التي يعملون فيها، لأن هؤلاء ناقلي المعلومات ذات القيمة المضافة لم يعدوا مرتبطين باقتصاد منطقة معينة، بل أصبحوا جزءا فعّالا ومتقدما من عالم لا حدود له ويشهد تغييرات مستمرة، إضافة الى ذلك سوف تكون هناك وظائف لا تتطلب مهارات عالية متمثلة في مجالات الادارات الوسطى ومندوبي المبيعات والمحاسبين العاديين والمنسقين، والفنيين والعاملين في المطاعم، ومحطات البنزين والفنادق وخدمات التنظيف والحدائق. علينا إعداد كوادر يتمتعون بمستويات عالية من التعليم والتدريب ويمتلكون المهارات العالية، وعدد وافر من المهندسين والتقنيين والخبراء ومخزونات معرفية هائلة وكميات كافية من رؤوس الاموال العاملة وعدد مناسب من رجال الاعمال.

قضية الباحثين عن عمل وتنمية دخولهم وتنويع مصادر الاقتصاد ليست منفصلة عن مشكلة التنمية الاقتصادية والتعليمية والاجتماعية ومواجهتها لا يمكن ان تتم باجراءات جزئية او متفرقة، وانما تتطلب مواجهة عامة وشاملة وجادة لمجهود التنمية الشاملة كما هو مذكور أعلاه.